نسرين درزي (أبوظبي)

في مجلس تقليدي شهد تجسيد مراحل إعداد القهوة بحسب طقوس الضيافة الإماراتية، أطلقت دائرة الثقافة والسياحة أمس الأول في منارة السعديات مبادرة «بيت القهوة» ضمن استراتيجية إحياء التراث الأصيل، بهدف منح تصاريح لإدارة مشروع سياحي ثقافي يقدم تجربة نموذجية للخطوات المتبعة عند تقديم القهوة، بدءاً من حمس حبوب البن حتى صبها في «الفنيال» الفنجان.
تأتي الخطوة التزاماً بالحفاظ على الهوية المحلية والترويج لها ودعم طقوسها، ولاسيما عناصر الإرث الوطني الذي تم إدراجه على القائمة التمثيلية لمنظمة اليونسكو عن الممارسات غير المادية للبشرية.

3 دلات وكوار
حضر حفل الإطلاق، معالي محمد خليفة المبارك رئيس دائرة الثقافة والسياحة، وسيف سعيد غباش وكيل دائرة الثقافة والسياحة وإعلاميون ومهتمون في حماية الموروث الثقافي. وشهدت الجلسة التصويرية تفاصيل عن مظاهر كرم الضيافة العربية المتمثلة بطقوس تقديم القهوة حول الموقد الذي يسمى محلياً «الكوار» وهو مبطن بالنحاس وقابل للتنقل من مكان لآخر، وبدا أن تحضير القهوة العربية يتطلب 3 دلات، الأكبر تستخدم لغلي الماء وتعرف بدلة «الخمر» والثانية تشهد عملية خلط البن بالماء الساخن، وتعرف بدلة «التلقيمة»، والأصغر مخصصة للتقديم، وتعرف بدلة «المزلة». أما الأدوات التقليدية التي يستعملها «المقهوي» فهي «التاوة والمحماس» لطحن البن، ومن ثم تبريده ودقه بالرشاد والمنحاز، ويستعين بالكوار والمنفاخ عند غلي مسحوق القهوة في الدلة.
وعند هز الفنجان بالمشهدية المتوارثة أباً عن جد، تصب القهوة، وغالباً تقدم إلى جانب جرة الماء والمبخرة والمرش كشكل من أشكال الترحيب بالضيوف، وتمنح هذه التجربة المتكاملة المهتمين بالانتساب للبرنامج صورة شاملة عما كان يدور من أحداث في مجالس المجتمعات القديمة، والتي ترمز إلى الكرم والضيافة والاحترام المتبادل.

تقاليد عريقة
وتحدث معالي محمد خليفة المبارك، رئيس دائرة الثقافة والسياحة عن أهمية المبادرة، مشيراً إلى أن الموروث المحلي يعد مكوناً أساسياً للهوية وعاملاً حاسماً لمد جذور الانتماء. وقال إن توجه دولة الإمارات نحو إحياء التراث والحفاظ عليه أثمر عن تحقيق الكثير من الإنجازات، بينها تسجيل 7 عناصر من التراث الوطني على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية لمنظمة اليونسكو.
ويأتي إعداد القهوة العربية ضمن هذه العناصر لما تتمتع به من مكانة خاصة أدت إلى إطلاق هذه المبادرة ومشاركة العالم بها. وذكر المبارك أن الهدف من «بيت القهوة» يكمن في الإضاءة على التقاليد العريقة التي طالما جمعت الثقافة العربية مع ثقافات العالم على فنجان واحد من التحاور والتفاهم والتسامح. وقال «نحن على ثقة بأن خير من ينقل التراث المحلي، ويمثله ويعبر عنه هم الإماراتيون أنفسهم».
مكانة عالمية
وأوضح سيف سعيد غباش، وكيل دائرة الثقافة والسياحة أن مبادرة «بيت القهوة» تعزز مساحة التراث حتى ينمو في سياقات معاصرة دون أن يفقد مميزاته، وتعطي الفرصة للمواطنين لتمثيل تراثهم بعد الخضوع لبرنامج مصمم لتدريبهم على التقاليد والممارسات المرتبطة بإعداد القهوة وتقديمها وإدارة المجلس.
وذكر أن هذه الممارسات التقليدية لاتزال تمارس في يومياتنا وبأشكال مختلفة، مثل القهوة والمجالس، وقد اكتسبا مكانة عالمية بإدراجهما في قائمة التراث العالمي لليونسكو. وتلتزم دولة الإمارات الحفاظ على كل العناصر المدرجة على هذه القائمة، من خلال إيجاد السبل والمبادرات التي تكفل استمرارها وممارستها من قبل الأجيال المقبلة.
وأكد غباش أن رخصة «بيت القهوة» تكمن ببدء مشروع سياحي وثقافي تجتمع فيه الممارسات التراثية من كرم وضيافة و«سنع»، وهي آداب السلوك، إلى جانب تعلم كيفية إدارة مشروع خاص مستقل يضيف إلى التجارب السياحية التي توفرها الإمارة بعداً شخصياً. إذ تقوم تجربة «بيت القهوة» على العلاقة التي يقيمها صاحب المشروع أو «المضيف» مع ضيوفه بشكل مباشر، حيث يكون بمثابة مرشد ثقافي يقدم تجربة حقيقية للزوار، ويجسد عمق التقاليد التراثية وأصالتها ويشرح ما يكمن خلفها من مبادئ.
يذكر أن دائرة الثقافة والسياحة قد وضعت مواصفات قياسية لـ«بيت القهوة» تتضمن استخدام عناصر أخرى من التراث المعنوي، حيث يلتزم المنفذون باتباع التقاليد نفسها وفق التوصيف المعتمد من قائمة اليونيسكو.

تدريبات لصنع القهوة
تستقبل دائرة الثقافة والسياحة حالياً طلبات الالتحاق بالبرنامج التدريبي الذي يمتد لـ10 أيام متواصلة، وهو مفتوح للجنسين، ويتضمن تدريبات على القيام بدور صانع القهوة والمضيف وكيفية استخدام الأدوات التقليدية في تحضير القهوة. والتعرف إلى آداب الاستقبال وتوديع الضيوف وفنون إدارة الحديث في المجلس، وذلك ضمن أسلوب ورش عمل يتبعها أداء تقييمي للمشاركين يخولهم إما الحصول على الرخصة أو إعادة التدريبات.